.جلس فؤاد مع والدِه على الشرفةِ لشربِ الشاي، وحين رشفَ رشفةً امتعض وجهُه، فقد كان الشاي بلا سكر. وضعَ فؤاد في القدحِ سكرًا وبدأ
يشربُ الشاي متلذِّذًا، فسأله أبوه: هل تعرفُ من أينَ السكر؟ فأجاب فؤاد: من البقالة، فضحك الأبُ وقال:ليس هذا ما أريد، إنما أريدُ أنْ تخبرَني من أينَ يأتي السكر؟ سكت فؤاد ونظرَ الأبُ في وجهِ ابنِه وقال: إنَّ السكرَ يا بني مادةٌ معروفةٌ منذ أيامِ ما قبلَ الميلاد، وقد عرف من نباتٍ في خليجِ البنغال من القارةِ الهندية، واليوم يستخرجُ السكرُ الطبيعي من مادتين نباتيتين الأولى: الشمندر الأبيض، والثانية نباتُ قصبِ السكر. وقد نقل المسلمون في فتوحاتِهم قصبَ السكرِ إلى حوضِ البحرِ الأبيض المتوسط. قال فؤاد: وكيف يُستخرجُ السكرُ من هذين النباتين؟
فقال الأب: إنَّ قصبَ السكرِ يحوي عصيرًا حلوًا، فإنَّ الإنسانَ إذا وضعه في فمِه أو مضغه أحسَّ بحلاوةِ العصيرِ، فارتبطت في ذهنِه حلاوةُ السكرِ بالقصب، فأصبح يحرصُ على قصبِ السكرِ يمضغُه ويستمتعُ بعصيرِه الحلو، وكذا الأمرُ بالنسبةِ للشمندر الأبيض (الشوندر)، فإنَّ الإنسانَ قديمًا كان يقضمُ الخضارَ والفواكه، ولا ريبَ أنه قضَمَ الشمندر فوجد فيه حلاوةً وتلذّذَ بذلك.
ولما كان قصبُ السكرِ والشمندر يحويان عصيرًا كثيرًا فقد عمدتِ المعاملُ إلى عصرِ قصبِ السكرِ وتجفيفِه بعمليةٍ فيزيائيةٍ كيميائية، فنتج السكرُ الأحمر، وعومل السكرُ الأحمرُ بموادَّ معلومةٍ فتحوَّل إلى اللونِ الأبيض.قال فؤاد: وماذا يُصنعُ من بقايا القصبِ والشمندر؟ فأجاب الأب: إنَّ له استعمالاتٍ عديدةً فقد يجعلونه سمادًا للزراعةِ وطعامًا للحيواناتِ أو وقودًا في المعاملِ وقد يستخرجون منه الورقَ المقوَّى.
وختم الأبُ كلامَه بقولِه: إنَّ للسكرِ استعمالاتٍ كثيرةً في جوانبِ الحياةِ كالحلوياتِ والسكاكر والأدويةِ وأدواتِ التجميلِ وأشياءَ أخرى كثيرة. والآن ما رأيك يا فؤاد أنْ تحلّي فمَك بهذه السكرة؟ فضحك فؤاد وتناول السكرة وشكر أباه وقال: الحمدُ لله الذي خلق لنا ما نستخرجُ منه السكرَ اللذيذ.